إلى أي درجة يورَث الذكاء؟ وما الذي يمكن أن يتطور؟ كم نوعاً من الذكاء نعرف؟

هل تعتقد أن الذكاء وراثي وأن التربية والرعاية لا يمكن أن تغير شيئاً حيال ذكاء الشخص (تحسنه أو تضعفه)؟ أو هل تعتقد أن معدل الذكاء IQ هو موضوع له علاقة بالتعليم والنشأة؟ في الحقيقة إن الجواب أكثر تعقيدا مما يبدو.

  الأساسيات موروثة

حتى العلماء غير قادرين على الاتفاق على درجة تأثير الجينات والصفات الموروثة في شخصية الفرد، ومع ذلك، لا أحد يشك في أن الذكاء هو إلى حد ما موروث. لنشرحها ببساطة، إذا كان الأبوين يتمتعون بمعدلات ذكاء IQ مرتفعة، فإنه من المحتمل جدا أن تكون ذريتهم أيضا تتمتع بمعدلات ذكاء فوق المتوسط. ,من ناحية أخرى، في حين أننا لا يمكننا أن نحدث تأثير في الجينات المكتسبة، إلا أنه يمكننا التطوير فيما ورثناه. وهذا يشمل ذكاء الفرد.

البداية منذ الطفولة

يمكن ملاحظة ذكاء الإنسان منذ لحظة الولادة (وحتى يقال ربما والجنين في رحم أمه). حيث يبدأ حديثي الولادة على الفور بمراقبة محيطهم وفي بناء العلاقات تبعا لما يرونه. ومع نمو الوليد، يبدأ يتعلم كيف يتلاعب بالأشياء المختلفة، ويرى الربط بين السبب والنتيجة (على سبيل المثال، كتلة كبيرة لن تمر من خلال ثقب صغير).

كما ويمكننا ملاحظة تطور الذكاء الاجتماعي بسرعة كبيرة. حيث يبدأ الوليد بالابتسام لمن حوله خلال أسبوعين من ولادته. وذلك يشمل الكثير وليس فقط الأشياء البسيطة والأساسية. فمثلا ينجح الطفل بتعلم أشياء أكثر تعقيداً مثل لغة الأم بسرعة، بشكل طبيعي ودون أي تعليم منهجي. لذلك نحن نكتسب المهارات والمعارف الأساسية بشكل تلقائي. ومع ذلك، حتى ننجح بتطوير الآخرين، نحتاج إلى قدر كاف من المحفزات الخارجية.

 لن نحدث أي تطور بدون الرعاية الكافية

وهنا تأتي أهمية التربية والنشأة، فهي مهمة جداً في تطوير الذكاء. ذلك أن الأبوين يقرأون لأطفالهم، ويتحدثون معهم وبالتالي يعملون على تحسين ذكائهم اللفظي. فالآباء الجيدون يتذكرون أن الثناء يساعد في تطوير قدرات أولادهم، الأمر الذي يعزز ثقتهم بأنفسهم وهو أمر مهم جداً. يمكننا مقارنة ذلك مع ما يسمى ب "الأطفال الذئاب" (وهي حالة يضع فيها الناس الأطفال خلال سنواتهم العمرية الأولى في عزلة ولا يخلطوهم بالمجتمع). وبمجرد انخراطهم في المجتمع في مراحل لاحقة، يصبح لديهم فرص ضئيلة جدا لتعلم العادات الاجتماعية أو حتى تعلم كيفية الكلام.

اختبارات فحص معدل الذكاء IQ مصممة لقياس القدرات الموروثة

ومع نمو الشخص، تتوكل المدرسة موضوع تطوير قدراته الذكائية، وعندما يصبح بالغاً يتسلم هو بنفسه هذه المسؤولية.

لكل فرد ذكاؤه الخاص، ولكن ذلك لا يوزع بالتساوي على جميع المهارات. وكذلك هو الحال بالنسبة للاختلافات الكبيرة في كيفية تأثر عناصر الذكاء المختلفة بالبيئة الخارجية، مثل العوامل الهامة جداً والمؤثرة على المفردات أو استخدام اللغة.

لتحديد مستوى الذكاء، يمكن للمرء أن يستخدم اختبارات فحص معدل الذكاء IQ. ومن الجدير بالذكر أن قياس مستوى القدرات الحسابية والفراغية موجه بشكل كبير لقياس القدرات الموروثة منها. ويترتب على ذلك أنه ليس من الممكن حقا أن "نتعلم" فيما يخص هذه المهارات.

كم نوعاً من الذكاء نعرف؟ هناك أكثر من نوع لذكاءات الإنسان

ضمن هذا الاستعراض لمفهوم معدل الذكاء IQ، كمؤشر يعبَر عنه برقم واحد (معدل الذكاء)، نتخيل في كثير من الأحيان أن الشخص إما أن يكون ذكيأً (بمعدل ذكاء 90 أو أعلى) أو ليس ذكياً (بمعدل ذكاء 80 أو أقل). وفقا لأحدث النظريات التي وصل إليها الإنسان اليوم، والتي تعكس الواقع بشكل أفضل، يمكن للمرء أن يكون إما ذكياً أو ذكاءه محدوداً في مجالات مختلفة. فقد قدم عالم النفس الأمريكي هوارد جاردنر، وهو أستاذ في جامعة هارفارد، بنشر كتابه إطارات العقل عام 1983حيث اقترح فيه أن هناك 7 ذكاءات متعددة للإنسان (وفيما بعد جعلهم ثمانية).

كل واحد منا يتمتع بكل أنواع الذكاء، ولكن بنسب متفاوتة. ونوع الذكاء الذي يسود يعتمد على الجزء في الدماغ الأكثر تطوراً والبيئة واالمواقف الذي يعيشها الإنسان خلال السنوات العشر الأولى من حياته. فالأطفال الذين يعيشون في بيئة موسيقية من المحتمل أن تتوفر فيهم المواهب الموسيقية، ومن ناحية أخرى، فإن الأطفال لآباء وأمهات رياضيين تجد أنهم يتفوقون في الرياضة.

وفقا لجاردنر فإن معدل الذكاء IQ يساهم في نجاح الشخص بنسبة 20٪ فقط، فالقدرة على التواصل أو الحكم على الآخرين، وقدرة الشخص على فهم مشاعره ودوافعه الخاصة هي عوامل ذات أهمية أكبر نحو تحقيق النجاح.

دعونا نلقي نظرة على أنواع الذكاءات المتعددة التي اقترحها جاردنر.

1. الذكاء اللغوي اللفظي

فضل هذا النوع من الذكاء نحن نعرف كيف نستخدم الكلمات لفظاً و كتابة. فالناس الذين يطورون هذا االنوع من الذكاء يعبرون عن أنفسهم بكفاءة عالية لفظاً وكتابة، كما يسهل عليهم تعلم اللغات. ويلاحظ أن هذا النوع من الذكاء يكون عالياً عند الكتاب والأدباء والصحفيين والمحامين والسياسيين والمختصين بإعداد ألعاب الكلمات المتقاطعة، أي جميع من يعمل بالكلمات.

2. الذكاء المنطقي الرياضي

معظم الناس يعرفون هذا النوع من الذكاء. فهو يتحكم بالقدرة على العمل مع الأرقام، حل المسائل الرياضية، وتقييم الحالات وإيجاد الحلول في أي مجال من مجالات النشاط البشري. والناس الذين يسجلون معدلات عالية في هذا النوع من الذكاء هم الذين يعملون في المجالات العلمية والتقنية.

3. الذكاء الموسيقي الصوتي

أولئك الذين يتقنون الغناء والرقص، أو العزف على آلة موسيقية، التأليف الموسيقى والتلحين أو إدارة فرقة موسيقية، لديهم مستوى عال من هذا الذكاء. كل واحد فينا قد يستطيع وبسرعة تحديد ما إذا كان يتمتع بهذا الذكاء أو لا.

4. الذكاء الجسمي الحركي

هذا الذكاء أيضا من السهل أن نحدده فالأشخاص الذين يطورون قدراتهم في هذا الذكاء غالباً ما يتفوقون في الرياضة أو الرقص، ويمكن أيضا أن يبرعون في الجراحة أو كأخصائيي ميكانيكة دقيقة (كالعمل في الساعات). ببساطة، سيكون من سمات هذا الشخص التفوق في النشاطات التي تتطلب التنسيق الجيد والمرونة والتوازن والقوة.

5. الذكاء الفضائي البصري

يمكنك أن ترى مدى تطور هذا الذكاء من خلال القدرة على إدراك وتمييز الألوان والأشكال والأحجام والمسافات بين الأشياء. فقد لوحظ أن مستويات عالية في هذا الذكاء يتمتع بها المهندسين المعماريين والمصممين والبحارة والصيادين والسائقين والطيارين وكذلك لاعبي الشطرنج. ومن الجدير بالاهتمام، ما وجدته دراسة أجريت مؤخراً عن سائقي سيارات الأجرة في لندن، وجد أنهم يتمتعون بذكاء فضائي عالٍ، ذلك أن عليهم تذكر كميات كبيرة من المعلومات البصرية والمرتبطة بالأماكن.

6. الذكاء الذاتي الداخلي

بفضل هذا الذكاء نحن نفهم أنفسنا. فالإنسان القادر على التعامل مع التوتر أو العواطف المؤلمة بشكل جيد، هو يتمتع بمستوى عالٍ من هذا الذكاء. فالذكاء الذاتي يساعدنا على التعرف على الحالات والأمورالتي تسبب الشعور بعواطف معينة.

7. الذكاء التفاعلي الاجتماعي

الذكاء الداخلي يكشف لنا فقط ما هو في داخل النفس، أما الذكاء الاجتماعي فهو يساعدنا في التعامل بكفاءة مع من حولنا. وبفضله نحن نندمج بسرعة مع المحيط، نقنع الناس ونجعلهم يثقون بنا. الأشخاص الذين يتمتعون بمعدل عالٍ من هذا الذكاء يبرعون في السياسة وإدارة الأعمال كما يمكنهم العمل في مجال التعليم وكذلك المحاماة أو في مجال العلاقات العامة والعمل الاجتماعي.

8. الذكاء الطبيعي

أضاف هوارد جاردنر هذا النوع من الذكاء بعد 10 سنوات فقط من وضع نظريته الأولية. يلاحظ أن الأشخاص الذين يتمتعون بذكاء طبيعي عالٍ هم في طبيعة الحال يحبون الطبيعة ويظهر ذلك في نشاطاتهم من خلال إعادة التدوير، ولا يشترون المنتجات التي سبق اختبارها على الحيوانات وغير ذلك من الممارسات التي من شأنها أن تحافظ على البيئة. هؤلاء الأشخاص الذين يتمتعون بمعدل ذكاء طبيعي عالٍ غالبا ما يشتغلون كعلماء في الأحياء، أو في مجالات علم الحيوان والنبات.

ويبدو أنه حتى ثمانية أنواع متعددة من الذكاء ليس بالضرورة أن تعبر عن العدد النهائي لذكاءات الإنسان. حيث يعمل جارنر حاليا على نوع تاسع من الذكاء، وهو الذكاء العقلي (الوجودي) والذي يعكس القدرة على التعمق في مفاهيم أساسيات الحياة وطرح الأسئلة حول الوجود.

ذا أردنا أن نلقي نظرة أخرى على السؤال المطروح في عنوان المقال، فإنه ليس بالأمر السهل أن نحدد عدد ذكاءات الإنسان. ويبدو أن هناك أنواع كثيرة من الذكاءات المتعددة تتماشى والأنواع المتعددة من المعرفة الإنسانية. وحتى لو كانت القدرات والمهارات البشرية تعتمد على أساس وراثي واضح، إلا أن تأثير الأسرة وإرادة الفرد والجهد الذي يبذله جميعها عوامل يمكن أن تحقق نتائج غير متوقعة ولا يمكن تصديقها.

قراءات متعمقة